الثلاثاء، 5 مايو 2009

إن هذا القرءانَ يهدي للتي هي أقــوم (2)


الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيماً وتشريفاً وثناءً، المتصف بصفات الكمال عزّة وقوة وكبرياءً، به نصول وبه نجول، وبه نؤمّل دفع الكروب شدة وبلاءً، ودرءَ الخطوب ضنكا ولأواءً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اختص المسجد الأقصى بالفضائل معراجاً وإسراءً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل هذه الأمة جهاداً وفداءً، وأعظمها قدوة واصطفاءً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ضربوا أروع الأمثلة صفاءً ووفاءً، وطهراً ونقاءً، والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم اهتداءً واقتفاءً، صلاةً لا تطاولها أرضٌ أرضاً ولا سماءٌ سماءً، وسلم تسليماً يزيده بهجة وبهاءً، ونوراً وضياءً، وبركة وسناءً .

الأخوة الأفاضل الأخوات الفاضلات، حياكم الله وبياكم وتبوأنا وإياكم من الجنة منزلا، وبعد

نكمل ما بدأنا به في كيفية تحقيق حلمنا في حفظ كتاب الله تعالى ، وقد تكلمنا في المقالة السابقة أنه لا بد من ثلاثة أمور قبل الشروع بالحفظ وهي الإخلاص ، الدعاء والتوبة ، واليوم بإذن الله تعالى سنتكلم عن أفكار عملية وضعها أناس أخصائيون وأصحاب تجربة في حفظ كتاب الله تعالى .

أولا: نبدأ بأوقات الحفظ ، فقد أثبت العلم الحديث أن أفضل أوقات الحفظ هو قبل النوم بقليل حيث أن العقل الباطن ينشغل وهو نائم بآخر ما كان يفكر المرء فيه ، وفي هذا الوقت يكون الجو هادئا والذهن صافيا .وهذا ما تم اثباته بعد التجارب حيث وجدوا أن الطلاب الذين حفظوا وناموا أفضل من الذين حفظوا ثم انشغلوا بالحاسوب أو التلفاز أو انشغلوا بأمور أخرى مع أنهم أخذوا نفس الوقت .
ومن الطرق المجربة أيضا أنه قبل النوم أن تشغل كاسيت بصوت المقرئ الذي تحب وترتاح له ، ولا ترفع صوت المسجل ، وأطفئ الأنوار ورأسك على الوسادة مع هدوء وحاول أن تستشعر الآيات بقلبك وروحك ، وبعد الفجر حذار النوم وأحفظ السورة التي سمعتها عند النوم ، ستجد أنك تحفظ بصورة سريعة جدا ، وجرّب فالتجربة أكبر برهان .
بالإضافة لذلك وقت الفجر ، فقد قال المولى جل وعلا في كتابه العزيز : "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا "(سورة الإسراء : 78)
وقال صلى الله عليه وسلم "بورك لأمتي في بكورها" . (حديث صحيح رواه ابن حبان) ، فاغتم فجرك لأنه من أجمل الأوقات وأصفاها وأبعدها عن صخب الحياة .
بالأضافة لهذه الأوقات فهناك أوقات مميزة وفاضلة خلال السنة ، والتي يتضاعف بها الأجر وتحل فيها البركة ، فيجب على المسلم الفطن أن يستغل هذه الأوقات ، ويضاعف الحفظ ، كشهر رمضان المبارك ، كيف لا يستغله أحدنا وهو شهر القرآن وبالأخص في العشر الأواخر إن كان معتكفا ، والعشر الأوائل من ذي الحجة ، وقبل صلاة الجمعة، فانتهزوا هذه الفرص الذهبية والا تجعلوها تضيع من بين أيديكم .

ثانيا : أذكر أني نصحت بها أحد أخواني منذ فترة عندما رأيت في مدونته أنه سيقبل على مشروع حفظ القرآن ثبته الله على ذلك ، قلت له : أخي ، قليل دائم خير من كثير منقطع ، نعم لا بد أن نؤكد على هذه المسألة أن قليلا دائما ومنضبطا به ومواظبا عليه، خير من كثير منقطع ... ولنبسط الأمر ، كما قرأته في أحد الكتب، لنفرض أن هناك صخرة يقطر عليها كل ساعة قطرة ماء لمدة سنة ، ماذا سيحصل بعد سنة ؟؟؟ لا بد أن تكون هذه القطرات قد أحدثت ثقبا لا بأس به في هذه الصخرة ؛ ولكن لو جمعنا هذه القطرات في برميل ثم سكبته كله على الصخرة ، ماذا سيحدث ؟؟؟ لن يحدث شيء بالطبع ...
وهنا خلاصة الموضوع إما أن تكون قطرة أو برميلا . . . .

ثالثا: بالنسبة للذاكرة فتقسم إلى قسمين ، الذاكرة القصيرة وهي ذاكرة الحفظ المؤقت ، والذاكرة الطويلة وهي الذاكرة التي ترسخ في الذهن إلى أمد بعيد ، من طرق نقل ما حفظناه في الذاكرة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة هي عملية التكرار لترسيخ الحفظ ونقله من المؤقت إلى المرسّخ .

رابعا: الاشتراك بالمسابقات والمنافسات فكل هذه الأمور تعد من المحفزات للحفظ .

خامسا : عليك بالحفظ السليم حتى لا تبني ما حفظت على أساسات واهية ، فحاول أن تستمع لكبار القراء قبل الحفظ أو تسمّع على أحد المشايخ المتقنين .

سادسا : إقرأ في مصحف واحد حتى لا تتشتت ، وتبقى صورة المصحف ومكان الآية راسخا في ذهنك ، ويفضل استعمل المصاحف التي بها كل الصفحات تبدأ بآية وتنتهي بآية كمصحف المدينة المنورة .

سابعا: قسم الصفحة إلى مقاطع حسب مواضيع أو أحداث واحفظ كل مقطع بانفراد ثم اربط هذه المقاطع مع بعضها البعض .

ثامنا :حاول ترديد ما حفظت في الصلوات الخمس والنوافل فإن ذلك يرسخ الآيات في الذاكرة الطويلة ، وإذا كان عندك المقومات أن تكون إماما ، فلا تتردد فإن ذلك يجبرها على الحفظ أولا وعلى الإتقان ثانيا.

تاسعا: لا تخش على حفظك القديم ، فهو رصيدك الذي لن يضيع بإذن الله ، وابدأ بالحفظ المنظم وركز عليه ، ولا تشتت نفسك في مراجعة القديم ، وستجد أنه سيصبح سهلا إن شاء الله .

عاشرا : قال الحق سبحانه وتعالى في سورة القمر (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ، فألق كل الأمثال المنافية لقوله تعالى عرض الحائط كـ " فات القطار ... وذبلت الأزهار ... فدع حفظ القرآن للصغار " لتجعل هذه الأمثال عذرا لك في تقصيرك مع كتاب الله ، نعلم جميعا أن الحفظ بالصغر أفضل ولكن هناك عددا ليس بالقليل من العلماء من ابتدأ العلم على كبر كالعز بن عبد السلام ما بدأ إلا في الخمسين من عمره حتى أصبح سلطان العلماء .

*** إلبكم بعض الأغذية التي تنشط وتقوي الذاكرة :السمك، الزنجبيل ، الميرمية (شجّيرة) ، الزبيب ، القرفة ، الجوز ، الجزر ،الأناناس والزعتر *** .

ختاما :أحبتي في الله ، أقبلوا إلى الله بأرواحكم ، فاقرأوا القرآن بقلوبكم قبل ألسنتكم ، وبفؤادكم قبل أعينكم حتى تصلوا إلى مبتغاكم في حفظ كتاب الله ، فليس مع الإرادة مستحيل ومشروع حفظ كتاب الله يبدأ بحفظ آية ، بعد إخلاص النية والدعاء والتوبة لله سبحانه وتعالى . وأسأله تعالى أن أكون قد وفقت بإيصال المستخلص مما قرأت من الكتب في هذا المجال ، سائلا الله العفو عن أي تقصير أو زلل أو خطأ أو نسيان ، وراجيا منكم أن لا تنسوني ووالدي من صالح دعائكم ، ودمتم كما يحب الله ويرضى



ما من توفيق فمن الله وحده ، وما من خطأ أو نسيان فمن نفسي ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء .

وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه ، وأعوذ بالله من أن أكون جسرا يعبر الناس به للجنة ويهوى به في جهنم.

سبحانك اللهم وبحمدك ،نشهد أن لا إله إلا انت ، نستغفرك ونتوب إليك