الثلاثاء، 31 مارس 2009

إن هذا القرءانَ يهدي للتي هي أقــوم (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيماً وتشريفاً وثناءً، المتصف بصفات الكمال عزّة وقوة وكبرياءً، به نصول وبه نجول، وبه نؤمّل دفع الكروب شدة وبلاءً، ودرءَ الخطوب ضنكا ولأواءً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اختص المسجد الأقصى بالفضائل معراجاً وإسراءً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل هذه الأمة جهاداً وفداءً، وأعظمها قدوة واصطفاءً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ضربوا أروع الأمثلة صفاءً ووفاءً، وطهراً ونقاءً، والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم اهتداءً واقتفاءً، صلاةً لا تطاولها أرضٌ أرضاً ولا سماءٌ سماءً، وسلم تسليماً يزيده بهجة وبهاءً، ونوراً وضياءً، وبركة وسناءً .

قالَ الله تــعالى ::

﴿ إن هذا القرءانَ يهدي للتي هي أقــوم ..

فــ .. اظفر بالأقــوم لتســلم .. وبجناتِ عدنٍ تتنعم ..

أولم يأتكِ بينّــة ..أنَّ في القرءانِ لَمَنجم

به نور دريّ .. وسطوع أبدي المَرسَم


أخواني الأحباء أخواتي الكريمات :

لو سألنا أنفسنا لماذا نحفظ القرآن الكريم ؟

لتكن إجابتنا واضحة دونما تلعثم أو تردد ، ولا نجعل للشيطان من الإجابة نصيب ، نقول نحفظه من أجل التقرب لله وحده ، والفوز برضاه ، والسعادة بالدارين إن شاء الله تعالى .


فلا بد من ثلاثة قبل الشروع في تحقيق حلمك بحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى : الإخلاص ،الدعاء والتوبة .

فاخلاص النية لله سبحانه وتعالى هي أهم خطوة عملية لحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى ، حيث قيل : ما من عمل رفع من الأرض إلى السماء خير من الإخلاص ، وما من أمر نزل من السماء إلى الأرض خير من التوفيق .

وكما نعمل جميعا أن كل عمل يفتقر إلى الإخلاص لا يؤتي ثمره ولا يدوم بل هو إلى زوال، فويل لنا ثم ويل إن كان الهدف من حفظنا هو منصب أو سمعة أول ليقال حافظ ، فلا أجر ولا ثواب لمن قرأ وحفظ القرآن رياء وسمعة بل له الإثم والعقاب والعياذ بالله ، قال تعالى :(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16))
.

فالإخلاص هو سر البقاء ، هذا الإمام الشاطبي رحمه الله عندما أنها منظومته حرز الأماني ووجه التهاني المعروفة بالشاطبية في القراءات السبع ، كان يطوف بها آلاف المرات حول الكعبة ، ويقول يارب إن كنت قد قصدت بها وجهك فاكتب لها البقاء ، ولم يكتفي بهذا كتبها في قرطاس ووضعها في قارورة وختم عليها وألقاها في البحر ثم دعا الله تعالى أن يبقيها إن كان يريد وجهه تعالى .. ودارت الأيام وإذا بصياد سمك يجد القارورة بين الأسماك فيفتحها ويجد يها قصائد في القراءات ، فقال والله لا بها إلا الإمام الشاطبي ، سأذهب إليه وأسأله عنها ، وحينما دخل على الإمام وذكر له ما وجد في البحر ، فقال له الإمام رحمه الله أقرأ ما بها ، فأخذ يقرأ الصياد والإمام يبكي ، وحكى له قصة القصيدة .

ولذلك نجد الآن وفي كل مكان من طلاب علم القرآن يحفظونها ويدرسونها ، لأن صاحبها أخلص في عمله ولا نزكيه على الله .

فخلاصة نقول : ما قصد به وجه الله تعالى لا بد أن يبقى بإذن الله .


الدعاء : يقولون يبدأ الحلم برغبة ، ثم لا بد من السؤال والطلب لتحقيق هذا الحلم . فإذا انتقل الأمر من شعور ورغبة إلى دعاء وطلب ومناجاة لله سبحانه وتعالى ، فبإذن الله تعالى سيتيسر لك الحفظ والمراجعة ، ويفتح الله عليك .

قال تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر)

قال ابن عباس رض الله عنهما : لولا أن الله يسره على الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل .

وأعلم أخي الكريم وأختي الفاضلة ، أن الإلحاح في الدعاء من أعظم آداب الدعاء . وكما قيل : من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له .. فلا بد من أن تطرق باب الله عز وجل والتقرب إليه وتلح في الدعاء .

التوبة : لا نريد أن يكون حفظ القرآن هو روتينا ، بل نريده دافعا للهمم ، وأن يتمكن من صدورنا وقلوبنا ويكون آمرا ناهيا لجوارحنا ، فلا بد من توبة قبل الشروع في الحفظ .

بداية لأننا نريد الحفظ نحتاج إلى ثلاثة أجهزة هامة وهي :

العين : لا يجتمع النظر إلى الحرام والنظر إلى القرآن ، فلذلك يشوش الذهن ويؤثر على الحفظ

الأذن : لا يجتمع السمع المحرم من غناء وفساد غيبة مع القرآن

اللسان : لا يجتمع الكلام الحرام بالغيبة والنميمة والكذب مع كلام الله سبحانه وتعالى .

لذلك من أراد الحفظ لا بد أن يطهر قلبه وجوارحه من المحرمات .

هذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول :"إني لأحتسب أن الرجل ينسى العلم عَلِمه بالذنب يعمله ".

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة وكيع بن الجراج : "وهو أحد الأئمة الأعلام الحفاظ ، وقد كان الناس يحفظون تكلفا ، وهو يحفظ طبعا ن قال علي بن خثرم : رأيت وكيعا وما رأيت بيده كتابا قط ، إنما هو يحفظ ، فسألته عن دواء الحفظ ، فقال : ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ ".

وللمعاصي آثار سيئة ، قبيحة مذمومة ، مضرة بالقلب والبدن ، فمنها حرمان العلم ، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تطفئ ذلك النور .

لما جلس الإمام الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه ، أعجبه ما رأى من وفرة فطنته ، وتوقد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا ، فلا تطفئه بظلمة المعصية .

وقال الإمام الشافعي :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * * * * فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بـأن العـلم نـور * * * * * ونور الله لا يُهدى لعاصي

فلا بد أن نتقي الله سبحانه وتعالى بالسر والعلن ونبدأ مسيرتنا لتحقيق حلم كل واحد فينا وهو حفظ كتاب الله دون أن ننسى : الإخلاص والدعاء والتوبة .


أخواني حفظة كتاب الله ومن يريد المراجعة ، لا بد من الأخذ بالأمور الثلاثة التي ذكرناها :الإخلاص والدعاء والتوبة.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تعاهدوا هذا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها " (رواه البخاري) .

فالله الله في تعاهد ما حفظتموه ، وإياكم من التفريط في هذه النعمة التي حباكم بها الله سبحانه وتعالى .

أولا : يجب وضع خطة للمراجعة متناسبة مع الظروف الخاصة بك من حيث الوقت والمقدرة ، حيث تقسم القرآن إلى أقسام متساوية ، بحسب ظروفك وأن تلزم نفسك إلزاما بمراجعة هذه الأقسام في أوقاتها دون تساهل أو تسويف .

ثانيا : أن تنظم الأمر أي لا تكون المراجعة عشوائية أي خاضعة للظروف العارضة ، بل عليك أن تحاول إخضاع ظروفك لبرنامج مراجعتك قدر المستطاع .

ثالثا : يفضل في المراجعة القراءة بالحدر وهي مرتبة من مراتب القراءة من ناحية السرعة معروفة عند أهل التجويد ، والحدر هي القراءة السريعة ولكن مع مراعاة الأحكام .

رابعا : قيام الليل ، يفضل أن تقرأ في قيام الليل ما راجعته لتثبت به حفظك ، ولبركة وفضل صلاة قيام الليل .


وختاما ، لا بد لك أخي/أختي الحافظ/ة من التقييد ببرنامجك الذي بنيته لنفسك ، لأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك والعمر ينقضي ، وتذكر/ي أن هناك الكثير من الناس من أفنوا أعمارهم في الجري والسعي وراء الدنيا وأغراضها ثم لم يجنوا من ذلك شيء ، فكثير من الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا ، فانتبه/ي لنفسك منذ اللحظة ولا تدع/ي الدنيا ومشاغلها تسرقك كما سرقت غيرك ، واغتنم/ي خمسا قبل خمس كما أوصى الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

ما من توفيق فمن الله وحده ، وما من خطأ أو نسيان فمن نفسي ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء .

وأعوذ بالله من أن أكون جسرا يعبر الناس به للجنة ويهوى به في جهنم.

سبحانك اللهم وبحمدك ،نشهد أن لا إله إلا انت ، نستغفرك ونتوب إليك